كان ما كان من نصائح المقربين من الأمير أحمد فضل (القمندان) بأن يتولى تأسيس فرقة موسيقية تعنى وتخلد غناء أشعاره حفاظا عليها من رياح الاندثار والنسيان.
ورحم الله أبا الفرج الأصفهاني عندما قسم شعر العرب إلى (أصوات) في مؤلفه الجامع (الأغاني) .
وليس صدفة ؛ بل قصد وعن عمد أن يأتي أهل يثرب بـ(قينة) تغني قصيدة للنابغة الذبياني بحضوره؛ وقد حل بمرابعهم ضيفا، ومطلعها:
أمن آل مية راح أو مغتدي
عجلان ذا زاد و غير مزود
........
زعم البوارح أن رحلتنا غدا
وبذاك خبرنا الغداف الأسود
حيث يقع النابغة في الإغواء في كلمة (الأسود) بالضم، فبان العيب جليا في صوت المغنية وتبينه النابغة الذي اختلس من الجمع وولى هاربا.
كان الفنان الكبير محمد مرشد ناجي يفاجئنا بطريقته في حضور الأستاذ هشام وتمام باشراحيل - حين كان لمنتدى (الأيام) سطوته السياسية وحضوره الثقافي- بطرح الأسئلة المحيرة ومنها: أن نناقش أغنية واحدة للقمندان؛ وليس كل القمندان، وسماها: (البدرية).
وربما قال بعض ممن في مجلسنا عصرئذ؛ سرا أو علنا، ما أسهل ذلك!
لكن الحقيقة التي يدركها المرشدي و ادركناها في ما بعد هي (ما أصعب ذلك) .
(البدرية) تعقيد الزامي لنشيد لحجي أممي - إذا جاز التعبير.
نشيد يدون المكان اللحجي بحذاقة المنشد (القمندان) وكأن (هدية الزمن) نثرا لم تشبع رغبة الأمير المتألق فراح يحلق بجناح الشعر واصفا المكان اللحجي ومن يعيشون عليه.
ثم يستعرض ثقافته التاريخية بصياغة الشعر ليجعل (الحوطة) محورا والديار اللحجية موطنا والعالم مجرة تدور حولهما - أي والله.
هنا ؛ اللحجي سوف يستوعب ( البدرية ) طربا و رقصا و يحفظ رموز ( البدرية ) حتى وان لم يفهمها تماما .
وكأن ( القمندان ) قد أخبأها لليلة مثل هذه في دار الباشراحيل حين اجتمعت نخبة (لحج) ومنهم الأمير عبده عبدالكريم ونخبة عدن، ودار نقاش طويل - أراده هكذا المرشدي - ولم يصل فيه المناقشون لحل يرضي الكل بمقصد القمندان من (البدرية) بينما وصلنا لعشاء تلك الليلة.
قال المرشدي الكبير و هو يضحك:
لقد كانت لنا أمسية كهذه في العام 1982 م في (المنصورة) بحضور عمر الجاوي وأبو بكر السقاف ولم نصل - أيضا - إلى نتيجة.
يقول مطلع (البدرية):
طلعت بدرية بين الحسان
بعيون سود
فتكت في القلب طعنا بسنان
لحظها المحدود
كنت يا قلبي من العشق مصان
من لظى الأخدود
فاتقيها بدموع العاشقين
وأصحب الباكين
............
غن ياهادي نشيد أهل الوطن
غن صوت الدان
ما لنا من غناء صنعاء اليمن
غصن من عقيان
مرحبا بالهاشمي يجلي الشجن
يذهب الأحزان
ومن البستان طيب الياسمين
صاحب النسرين
..............
كاتبوها فوق طيات النسيم
بغصون القات
ذل في الريف لها عبدالكريم
أمرها هيهات
أسعرت في القلب تيار الجحيم
بهواء حقات
خمرة تجلي هموم الشاربين
فاسأل الساقين
حكمت والخيل في الصف مئين
داخل المجراد
وتذلل لهوى الهيفاء (لينين)
باش بتروغراد
لم يلاق( ولهلم )منها معين
فاستوى كمراد
وصف(الطان) قواها وطنين
قلت أنا آمين
........
ويختمها القمندان وكأنه يحل عقدتها:
غادة سارت على سطح البحار
ربة الأسطول
علم في رأسه نور ونار
حولها والطول
تلك ليلى ومزاحم بلجفار
ذاك فصل القول
واسألوا عنها الرجال العالمين
واعذروا المسكين.